: اسلوب تجنيد اعضاء التنظيم الخاص - الميليشيات
سنستند في عرضنا أسلوب تجنيد عضو التنظيم الخاص بالاخوان المسلمين إلى أحد قادة هذا التنظيم وهو محمود الصباغ، من خلال ما كتبه ونشر عام 1989، وقد استند في عرضه إلى الأوراق المضبوطة في واقعة ضبط سيارة الجيب عام 1950، والتي حوت الأوراق الخاصة بهذا التنظيم (هذا التنظيم شبه عسكري شديد السرية أعضاءه غير معروفون مهمته إثارة الفوضى و القيام بالتخريب في الدول المستهدفة ، كل فرع اقليمي له تنظيمه الخاص المستقل )
ويوضح الصباغ في كتابه أسلوبين من أساليب التجنيد السياسي لأعضاء النظام الخاص للاخوان المسلمين، الأول عند بداية تكوين هذا التنظيم، وكان الأسلوب المتبع هو أن يرتبط بالأخ عبد الرحمن السندي بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش المسلم في تنظيم الاخوان المسلمين، كل من يرى نفس الرأي ويشعر بنفس الشعور، ويجب الارتباط بالجيش المسلم الذي يجري إعداده لأداء فريضة الجهاد، وكان أول ما يتعاهد عليه من يكتشف الأخ الصالح للارتباط بهذا الجيش مع العضو الجديد، هو تميز هذا الجيش عن الدعوة العامة بالسرية الكاملة في أقواله وأفعاله، فلا يصح الحديث في شأنه، إلا مع زميل من أعضائه الذين يتعرف عليهم بواسطة قيادة النظام، وكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة وقد تطور، بعد ذلك، أسلوب تجنيد الأعضاء بعد استكمال البناء التنظيمي للنظام الخاص، فأحد أفراد الجيش يرشح شخصاً يرى من روحه من يناسب التجنيد ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا، مرفقاً به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية، وطباعه البارزة، وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها، ويكفي الميل لأي حزب آخر كي يرفض الترشيح رفضاً باتاً، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمناً تماماً بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنه متى توفر هذا الإيمان التام، فإنه يمكن ضم أي شخص ولو كان ذا عاهة، إذ إن لكل عمل ما يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل المرشح أو يرفضه
ويمكن أن تسمى هذه المرحلة في التجنيد، للانضمام إلى النظام الخاص، مرحلة الترشيح، فإذا ما قبل المرشح تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة الاختبار. ويلاحظ أنه قد تم تشكيل خاص لهذه المرحلة يسمى جماعة المكونين، ويتخصصون في هذا العمل، ويقابل المكون الشخص المرشح للانضمام إلى النظام الخاص على انفراد في مكان محدد (المنزل، مثلاً)، ويكون الضوء مناسباً، بحيث يكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص. بعد ذلك تبدأ عملية الإعداد والاختبار للعضو المراد تجنيده، من خلال ثماني جلسات تتضمن التعرف إلى المعلومات الخاصة بهذا الشخص كافة، وتوجيهات خاصة بالثقة في القيادة والاقتناع بمشروعية العمل، وضرورة الكتمان، وكذلك توجيهات خاصة بما يجب مراعاته عند تكليفه القيام بأي عمل. كما تشمل هذه الجلسات تكليفه بعمل له أهمية ورسم خطة له، ومراقبته أثناء التنفيذ، ثم العدول عن الفكرة مع إفهامه بأسباب هذا العدول بشكل معقول في حالة النجاح بالاختبار. يقدم الشخص للبيعة في القاهرة، بصحبة باقي أفراد جماعته، ويكون ارتباط أفراد الجماعة لأول مرة وقت البيعة. يقوم رقم (1) بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة مباشرة، وفي حالة الرسوب في أحد الاختبارات السابقة يلحق الشخص بأسرة، أو ما شابه ذلك من الأعمال العامة، وفي حالة النجاح يعرف الشخص أن ما فات كان اختباراً وقد اجتازه بنجاح، وأنه الآن في انتظار أوامر حقيقية
تبدأ بعد ذلك مرحلة التكوين للعضو الذي تم تجنيده للانضمام إلى النظام الخاص، وتتكون هذه المرحلة من خطوات أربع، مدة كل منها خمسة عشر أسبوعاً، تتضمن الأولى دروساً في المحاسبة وكتابة التقارير، ودراسة السلاح، وطريقة جمع الأخبار، ودروساً في القرآن الكريم، والإسعافات الأولية، وتدريباً رياضياً. وبعد الانتهاء من الدراسة تعقد القيادة امتحاناً في ما ورد فيها، ينقل الناجحون فيه إلى المرحلة الثانية في التكوين وتشمل دراسة قانونية، ودراسة عملية وتطبيقية في مجال رسم الخرائط وتقدير المسافات ودراسة البوصلة، إضافة إلى بعض التدريبات الرياضية والروحية. ويجري امتحان ينتقل من يجتازه إلى المرحلة الثالثة التي تشمل تعليم قيادة الدراجة النارية والسيارة في القانون والإسعاف وتدريبات رياضية إلى دراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم ورسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية المهمة تفصيلياً. كذلك يجري امتحان يؤهل من اجتازه للمرحلة الرابعة التي تشمل قيام كل فرد من أفرادها بحصر قوات الشرطة في قسم معين، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية لمدينة القاهرة، وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها بعضها بالبعض الآخر، ومسالكها، ومواصلاتها، وكيفية مهاجمة مكان ما، ودراسة حربية، ودروساً في القانون وتدريبات رياضية ودراسة في التعقب يقوم بها كل فرد. ثم يعقد امتحان يكون من اجتازه قد اكتسب العضوية الكاملة في التنظيم الخاص للاخوان المسلمين
ويمكن من خلال هذا العرض أن تقدم الملاحظات التالية:
أ- إن أسلوب تجنيد عضو الجهاز الخاص للاخوان المسلمين قد تميز بالتعقيد الشديد، والدقة البالغة، كما أن العضو لا يكتسب العضوية الكاملة إلا بعد فترة طويلة من التكوين تشمل العديد من الاختبارات الدقيقة.
ب- إن عملية التكوين تشمل الجوانب الروحية والاجتماعية والنفسية بالنسبة إلى الشخص المرشح للانضمام إلى العضوية، وذلك بحيث يتم دمج العضو في الجماعة دمجاً كاملاً، كما أن هذه المرحلة تتسم باكتسابه العديد من المهارات الرياضية والعسكرية وجمع المعلومات والأخبار وإعداد التقارير. كما أنها تتسم بطول الفترة، فمرحلة التكوين تتم خلال ستين أسبوعاً تسبقها مرحلة الاختبار، وهي تستغرق حوالي ثمانية أسابيع، فإجمالي هذه الفترة حوالي ثمانية وستين أسبوعاً، أي حوالي سنة ونصف السنة، وهي فترة طويلة يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة وللعديد من الاختبارات الدقيقة، النظرية والعملية.
ج- يتم الزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر وإلا تعرض للموت، وقد جاء في هذا الصدد أن أية خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو بسوء قصد، يعرّض صاحبه للإعدام، وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة، ويتم الزامه كذلك بالثقة التامة في قيادته المباشرة، فلا يجوز له رفع الأمر إلى القيادة الأعلى إلا عن طريق رقم (1)، ومخالفة ذلك ينظر فيها مجلس للتحقيق
وما نصل إليه من خلال هذا العرض المفصل لأسلوب التجنيد السياسي لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين، سواء في محيطها العام أو النظام الخاص، يتمثل في النتائج التالية:
(1) تعددت أساليب التجنيد السياسي للأعضاء وتطورت بما يتناسب ومراحل تطور الجماعة، سواء بالنسبة إلى مستوى الدعوة العامة العلنية أو مستوى التنظيم الخاص السري، الأمر الذي يعني توافر الخبرات التنظيمية الكفوءة والفعالة لدى الجماعة.
(2) إن التجنيد السياسي في مفهوم الاخوان لا يتوقف عند إبداء العضو رغبته في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مرحلة قد تطول أو تقصر بحسب نوع العضوية التي سيرشح لها العضو الراغب في الانضمام، يتعرض خلالها العضو المرشح لإعداد فكري ونفسي وبدني ومهاراتي يتناسب ونوع العضوية المرشح لها ودرجتها.
(3) إن عملية تكوين العضو المرشح تقسم بمحاولة دمجه دمجاً كاملاً في الجماعة، وتتم هذه العملية على مراحل بحيث يشعر العضو أن هذا أمر طبيعي، وقد أشار إلى ذلك قاتل النقراشي باشا في اعترافاته أمام المحكمة، حيث قال إنه انتقل إلى العمل في النظام الخاص للاخوان بشكل تدريجي طبيعي ولم يشعر بأي جديد في الأمر( ). وعملية الدمج هذه كانت تتم من خلال إحاطة العضو بسيل من الواجبات التي تحيط بحياته كلها، وترسم له أعماله وسلوكه اليومي وعلاقاته الشخصية وأدق تفاصيل حياته. واتباع هذه التعليمات يجعل العضو عضواً بالجماعة في كل لحظة من لحظات حياته، فيمارس نشاطه اليومي ليس باعتباره فرداً عادياً ولكن باعتباره عضواً وأخاً مسلماً، بحيث يصبح كما لو كان يستمد وجوده المادي من الجماعة، ويخلق فيه ذلك الطواعية والسلاسة لجماعته، فيشكل مع الآخرين من إخوانه مجتمعاً مغلقاً يحيا أفراده حياتهم اليومية وفق تعليمات وضعتها قيادتهم، لا يشاركهم أحد في الالتزام بها من خارجهم. بهذا يذوب الأفراد في الجماعة وفي زعيمها المجسد لها المبايع على السمع والطاعة بواسطة أمور لا تتعلق بهدف سياسي معين ولا بمنطق عقلي واضح ولا بنشاط عام محدد، وإنما يذوبون بالانسياق من الداخل باعتبار ما يتهدد الكيان الذاتي للفرد الذي تبني الجماعة جزئياته، وما يتهدده من انهيار وتهدم لو لفظته الجماعة من صفوفها عملية الدمج هذه، وتكوين المجتمع المغلق، والإحساس المغالي فيه بالذات باعتبار أنه ينتمي إلى الجماعة التي يعد منهاجها وحده، هو الإسلام الصحيح ولا يعتبر غيره كذلك( )، كلها عوامل تكوّن إنساناً متعصباً لجماعته لا يقبل بسهولة رأي الآخر الذي يختلف معه في الفكر، بل ينظر إلى هذا الآخر نظرة متعالية تستند، ضمنياً، إلى أن إسلام هذا الآخر غير صحيح طالما أنه لم يوال الجماعة ولم ينضم إليها. وهكذا يكون عضو الجماعة قد خطا خطوات واسعة نحو العنف السياسي كسلوك.
(4) على الرغم من أن عملية الدمج الكلي للعضو في الجماعة تعد شاملة للأعضاء كافة، فإنها تتم بدرجة أكبر بالنسبة إلى درجتين مهمتين من درجات العضوية، وهما درجة المجاهدين ودرجة أعضاء النظام الخاص، وهما المسؤولان اللذان سيمارسان العنف السياسي في أوضح صوره كالاغتيال السياسي مثلاً، الأمر الذي يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن أسلوب تكوين العضو بعد تجنيده يؤهله لممارسة العنف السياسي.
(5) إن هذا الأسلوب في تكوين عضو الجماعة، يرجع إلى رؤية الاخوان المسلمين للإسلام بوصفه نظاماً يشمل جوانب حياة الإنسان كافة؛ وفي هذا الصدد يقول الشيخ عمر التلمساني: الدين لا يعرف شيئاً اسمه سياسة ولكن الدين ينظم حياة الفرد في جميع النواحي، كيف يأكل ويشرب، يتاجر ويتزوج، كيف يحكم وكيف يُحكم، وكيف ينام، حتى ان أحد الأعراب قال لبعض الصحابة، لقد علمكم الرسول ’، كل شيء حتى قضاء الحاجة. إن القول بأن الاخوان المسلمين يعملون في السياسة هو قول غريب، ونحن نشتغل بالدين وعندما أقول الربا حرام فإنني لا أتعرض إلى الناحية السياسية والاقتصادية للبلد، ولكنني تعرضت للناحية الدينية بالتصدي، كذلك إذا قلت إن الدين يطالب بحرية الفرد وحكم الشورى، فأنا لا أتكلم في ناحية سياسية في الحكم أبداً، بل أتكلم لأن الله سبحانه وتعالى يقول وأمرهم شورى بينهم
(6) إن الجانب المتعلق بالنواحي العسكرية أعطى النظام الخاص للاخوان أهمية بالغة في مرحلة تكوين العضو، ولم يقتصر على الجانب القتالي فحسب، بل امتد إلى الجانب السياسي لاستخدام الأداة العسكرية، ممثلاً في جمع المعلومات والأخبار والتدريب على إعداد التقارير في هذا الصدد، الأمر الذي وفر لقيادة النظام الخاص معلومات وفيرة عن الحالة الأمنية في البلاد والأماكن الاستراتيجية فيها، وكيفية السيطرة عليها، وبخاصة بالنسبة إلى العاصمة القاهرة، وهو الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل حول الهدف من جمع هذه المعلومات، بغضّ النظر عن المقولة التي يطلقها الاخوان عادة لتبرير ذلك بوصفه إعداد المقاتلين والفدائيين لمواجهة المستعمر، وبخاصة مع إجمالي مؤرخي هذه الفترة على ضعف مشاركة الاخوان في هذا النشاط
(7) اعتمدت جماعة الاخوان المسلمين على علاقات العبادة والصداقة والقرابة كمدخل للتجنيد السياسي للأعضاء، وإن كان اعتمادها أكثر على علاقات العبادة والقرابة في المستوى العام العلني للجماعة، والذي يطلق عليه المحيط العام؛ أما في ما يتعلق بالنظام الخاص، فكان المدخل الأساسي هو علاقة الصداقة، فمحمود الصباغ انضم إلى عضوية هذا النظام من خلال صديقه مصطفى مشهور. كما أننا لا نجد من خلال تحليل علاقات قيادة هذا الجهاز أي علاقة للقرابة، الأمر الذي يؤكد ما توصلنا إليه من أن علاقة الصداقة كانت المدخل الأول الذي اعتمدت عليه الجماعة للتجنيد في النظام الخاص.
(8) إن اهتمام الجماعة ومرشدها الأول بالصعيد، إلى حد قيامه برحلاته إلى قراه ونجوعه في فصل الصيف الشديد الحرارة في هذه المنطقة، يثير أكثر من تساؤل حول أهمية اتخاذ البعد المكاني في التحليل، وبخاصة أن صعيد مصر يعد من أكثر المناطق تخلفاُ من حيث الخدمات والمرافق التحديثية، كما تسوده نوعية معينة من العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تحتل فيها العائلة والقبيلة والعشيرة مكانة مهمة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن مدينة أسيوط قد أصبحت معقلاً مهماً للاخوان المسلمين عام 1936، بحيث استطاعت الجماعة أن تجند في صفوفها أئمة المساجد ومدرسي المدارس الأولية، الأمر الذي أكسبها فعالية سياسية في أحياء أسيوط الفقيرة. ومما ضاعف في الوقت نفسه استقطاب الاخوان لفئات واسعة، أن أسيوط استهدفت منذ منتصف القرن التاسع عشر من حملات التبشير المختلفة الأمر الذي يجعلنا نصل إلى أن جماعة الاخوان كانت تعطي اهتماماً خاصاً بالبعد المكاني وخصائصه في عملية التجنيد السياسي للأعضاء
ويوضح الصباغ في كتابه أسلوبين من أساليب التجنيد السياسي لأعضاء النظام الخاص للاخوان المسلمين، الأول عند بداية تكوين هذا التنظيم، وكان الأسلوب المتبع هو أن يرتبط بالأخ عبد الرحمن السندي بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش المسلم في تنظيم الاخوان المسلمين، كل من يرى نفس الرأي ويشعر بنفس الشعور، ويجب الارتباط بالجيش المسلم الذي يجري إعداده لأداء فريضة الجهاد، وكان أول ما يتعاهد عليه من يكتشف الأخ الصالح للارتباط بهذا الجيش مع العضو الجديد، هو تميز هذا الجيش عن الدعوة العامة بالسرية الكاملة في أقواله وأفعاله، فلا يصح الحديث في شأنه، إلا مع زميل من أعضائه الذين يتعرف عليهم بواسطة قيادة النظام، وكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة وقد تطور، بعد ذلك، أسلوب تجنيد الأعضاء بعد استكمال البناء التنظيمي للنظام الخاص، فأحد أفراد الجيش يرشح شخصاً يرى من روحه من يناسب التجنيد ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا، مرفقاً به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية، وطباعه البارزة، وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها، ويكفي الميل لأي حزب آخر كي يرفض الترشيح رفضاً باتاً، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمناً تماماً بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنه متى توفر هذا الإيمان التام، فإنه يمكن ضم أي شخص ولو كان ذا عاهة، إذ إن لكل عمل ما يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل المرشح أو يرفضه
ويمكن أن تسمى هذه المرحلة في التجنيد، للانضمام إلى النظام الخاص، مرحلة الترشيح، فإذا ما قبل المرشح تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة الاختبار. ويلاحظ أنه قد تم تشكيل خاص لهذه المرحلة يسمى جماعة المكونين، ويتخصصون في هذا العمل، ويقابل المكون الشخص المرشح للانضمام إلى النظام الخاص على انفراد في مكان محدد (المنزل، مثلاً)، ويكون الضوء مناسباً، بحيث يكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص. بعد ذلك تبدأ عملية الإعداد والاختبار للعضو المراد تجنيده، من خلال ثماني جلسات تتضمن التعرف إلى المعلومات الخاصة بهذا الشخص كافة، وتوجيهات خاصة بالثقة في القيادة والاقتناع بمشروعية العمل، وضرورة الكتمان، وكذلك توجيهات خاصة بما يجب مراعاته عند تكليفه القيام بأي عمل. كما تشمل هذه الجلسات تكليفه بعمل له أهمية ورسم خطة له، ومراقبته أثناء التنفيذ، ثم العدول عن الفكرة مع إفهامه بأسباب هذا العدول بشكل معقول في حالة النجاح بالاختبار. يقدم الشخص للبيعة في القاهرة، بصحبة باقي أفراد جماعته، ويكون ارتباط أفراد الجماعة لأول مرة وقت البيعة. يقوم رقم (1) بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة مباشرة، وفي حالة الرسوب في أحد الاختبارات السابقة يلحق الشخص بأسرة، أو ما شابه ذلك من الأعمال العامة، وفي حالة النجاح يعرف الشخص أن ما فات كان اختباراً وقد اجتازه بنجاح، وأنه الآن في انتظار أوامر حقيقية
تبدأ بعد ذلك مرحلة التكوين للعضو الذي تم تجنيده للانضمام إلى النظام الخاص، وتتكون هذه المرحلة من خطوات أربع، مدة كل منها خمسة عشر أسبوعاً، تتضمن الأولى دروساً في المحاسبة وكتابة التقارير، ودراسة السلاح، وطريقة جمع الأخبار، ودروساً في القرآن الكريم، والإسعافات الأولية، وتدريباً رياضياً. وبعد الانتهاء من الدراسة تعقد القيادة امتحاناً في ما ورد فيها، ينقل الناجحون فيه إلى المرحلة الثانية في التكوين وتشمل دراسة قانونية، ودراسة عملية وتطبيقية في مجال رسم الخرائط وتقدير المسافات ودراسة البوصلة، إضافة إلى بعض التدريبات الرياضية والروحية. ويجري امتحان ينتقل من يجتازه إلى المرحلة الثالثة التي تشمل تعليم قيادة الدراجة النارية والسيارة في القانون والإسعاف وتدريبات رياضية إلى دراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم ورسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية المهمة تفصيلياً. كذلك يجري امتحان يؤهل من اجتازه للمرحلة الرابعة التي تشمل قيام كل فرد من أفرادها بحصر قوات الشرطة في قسم معين، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية لمدينة القاهرة، وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها بعضها بالبعض الآخر، ومسالكها، ومواصلاتها، وكيفية مهاجمة مكان ما، ودراسة حربية، ودروساً في القانون وتدريبات رياضية ودراسة في التعقب يقوم بها كل فرد. ثم يعقد امتحان يكون من اجتازه قد اكتسب العضوية الكاملة في التنظيم الخاص للاخوان المسلمين
ويمكن من خلال هذا العرض أن تقدم الملاحظات التالية:
أ- إن أسلوب تجنيد عضو الجهاز الخاص للاخوان المسلمين قد تميز بالتعقيد الشديد، والدقة البالغة، كما أن العضو لا يكتسب العضوية الكاملة إلا بعد فترة طويلة من التكوين تشمل العديد من الاختبارات الدقيقة.
ب- إن عملية التكوين تشمل الجوانب الروحية والاجتماعية والنفسية بالنسبة إلى الشخص المرشح للانضمام إلى العضوية، وذلك بحيث يتم دمج العضو في الجماعة دمجاً كاملاً، كما أن هذه المرحلة تتسم باكتسابه العديد من المهارات الرياضية والعسكرية وجمع المعلومات والأخبار وإعداد التقارير. كما أنها تتسم بطول الفترة، فمرحلة التكوين تتم خلال ستين أسبوعاً تسبقها مرحلة الاختبار، وهي تستغرق حوالي ثمانية أسابيع، فإجمالي هذه الفترة حوالي ثمانية وستين أسبوعاً، أي حوالي سنة ونصف السنة، وهي فترة طويلة يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة وللعديد من الاختبارات الدقيقة، النظرية والعملية.
ج- يتم الزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر وإلا تعرض للموت، وقد جاء في هذا الصدد أن أية خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو بسوء قصد، يعرّض صاحبه للإعدام، وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة، ويتم الزامه كذلك بالثقة التامة في قيادته المباشرة، فلا يجوز له رفع الأمر إلى القيادة الأعلى إلا عن طريق رقم (1)، ومخالفة ذلك ينظر فيها مجلس للتحقيق
وما نصل إليه من خلال هذا العرض المفصل لأسلوب التجنيد السياسي لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين، سواء في محيطها العام أو النظام الخاص، يتمثل في النتائج التالية:
(1) تعددت أساليب التجنيد السياسي للأعضاء وتطورت بما يتناسب ومراحل تطور الجماعة، سواء بالنسبة إلى مستوى الدعوة العامة العلنية أو مستوى التنظيم الخاص السري، الأمر الذي يعني توافر الخبرات التنظيمية الكفوءة والفعالة لدى الجماعة.
(2) إن التجنيد السياسي في مفهوم الاخوان لا يتوقف عند إبداء العضو رغبته في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مرحلة قد تطول أو تقصر بحسب نوع العضوية التي سيرشح لها العضو الراغب في الانضمام، يتعرض خلالها العضو المرشح لإعداد فكري ونفسي وبدني ومهاراتي يتناسب ونوع العضوية المرشح لها ودرجتها.
(3) إن عملية تكوين العضو المرشح تقسم بمحاولة دمجه دمجاً كاملاً في الجماعة، وتتم هذه العملية على مراحل بحيث يشعر العضو أن هذا أمر طبيعي، وقد أشار إلى ذلك قاتل النقراشي باشا في اعترافاته أمام المحكمة، حيث قال إنه انتقل إلى العمل في النظام الخاص للاخوان بشكل تدريجي طبيعي ولم يشعر بأي جديد في الأمر( ). وعملية الدمج هذه كانت تتم من خلال إحاطة العضو بسيل من الواجبات التي تحيط بحياته كلها، وترسم له أعماله وسلوكه اليومي وعلاقاته الشخصية وأدق تفاصيل حياته. واتباع هذه التعليمات يجعل العضو عضواً بالجماعة في كل لحظة من لحظات حياته، فيمارس نشاطه اليومي ليس باعتباره فرداً عادياً ولكن باعتباره عضواً وأخاً مسلماً، بحيث يصبح كما لو كان يستمد وجوده المادي من الجماعة، ويخلق فيه ذلك الطواعية والسلاسة لجماعته، فيشكل مع الآخرين من إخوانه مجتمعاً مغلقاً يحيا أفراده حياتهم اليومية وفق تعليمات وضعتها قيادتهم، لا يشاركهم أحد في الالتزام بها من خارجهم. بهذا يذوب الأفراد في الجماعة وفي زعيمها المجسد لها المبايع على السمع والطاعة بواسطة أمور لا تتعلق بهدف سياسي معين ولا بمنطق عقلي واضح ولا بنشاط عام محدد، وإنما يذوبون بالانسياق من الداخل باعتبار ما يتهدد الكيان الذاتي للفرد الذي تبني الجماعة جزئياته، وما يتهدده من انهيار وتهدم لو لفظته الجماعة من صفوفها عملية الدمج هذه، وتكوين المجتمع المغلق، والإحساس المغالي فيه بالذات باعتبار أنه ينتمي إلى الجماعة التي يعد منهاجها وحده، هو الإسلام الصحيح ولا يعتبر غيره كذلك( )، كلها عوامل تكوّن إنساناً متعصباً لجماعته لا يقبل بسهولة رأي الآخر الذي يختلف معه في الفكر، بل ينظر إلى هذا الآخر نظرة متعالية تستند، ضمنياً، إلى أن إسلام هذا الآخر غير صحيح طالما أنه لم يوال الجماعة ولم ينضم إليها. وهكذا يكون عضو الجماعة قد خطا خطوات واسعة نحو العنف السياسي كسلوك.
(4) على الرغم من أن عملية الدمج الكلي للعضو في الجماعة تعد شاملة للأعضاء كافة، فإنها تتم بدرجة أكبر بالنسبة إلى درجتين مهمتين من درجات العضوية، وهما درجة المجاهدين ودرجة أعضاء النظام الخاص، وهما المسؤولان اللذان سيمارسان العنف السياسي في أوضح صوره كالاغتيال السياسي مثلاً، الأمر الذي يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن أسلوب تكوين العضو بعد تجنيده يؤهله لممارسة العنف السياسي.
(5) إن هذا الأسلوب في تكوين عضو الجماعة، يرجع إلى رؤية الاخوان المسلمين للإسلام بوصفه نظاماً يشمل جوانب حياة الإنسان كافة؛ وفي هذا الصدد يقول الشيخ عمر التلمساني: الدين لا يعرف شيئاً اسمه سياسة ولكن الدين ينظم حياة الفرد في جميع النواحي، كيف يأكل ويشرب، يتاجر ويتزوج، كيف يحكم وكيف يُحكم، وكيف ينام، حتى ان أحد الأعراب قال لبعض الصحابة، لقد علمكم الرسول ’، كل شيء حتى قضاء الحاجة. إن القول بأن الاخوان المسلمين يعملون في السياسة هو قول غريب، ونحن نشتغل بالدين وعندما أقول الربا حرام فإنني لا أتعرض إلى الناحية السياسية والاقتصادية للبلد، ولكنني تعرضت للناحية الدينية بالتصدي، كذلك إذا قلت إن الدين يطالب بحرية الفرد وحكم الشورى، فأنا لا أتكلم في ناحية سياسية في الحكم أبداً، بل أتكلم لأن الله سبحانه وتعالى يقول وأمرهم شورى بينهم
(6) إن الجانب المتعلق بالنواحي العسكرية أعطى النظام الخاص للاخوان أهمية بالغة في مرحلة تكوين العضو، ولم يقتصر على الجانب القتالي فحسب، بل امتد إلى الجانب السياسي لاستخدام الأداة العسكرية، ممثلاً في جمع المعلومات والأخبار والتدريب على إعداد التقارير في هذا الصدد، الأمر الذي وفر لقيادة النظام الخاص معلومات وفيرة عن الحالة الأمنية في البلاد والأماكن الاستراتيجية فيها، وكيفية السيطرة عليها، وبخاصة بالنسبة إلى العاصمة القاهرة، وهو الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل حول الهدف من جمع هذه المعلومات، بغضّ النظر عن المقولة التي يطلقها الاخوان عادة لتبرير ذلك بوصفه إعداد المقاتلين والفدائيين لمواجهة المستعمر، وبخاصة مع إجمالي مؤرخي هذه الفترة على ضعف مشاركة الاخوان في هذا النشاط
(7) اعتمدت جماعة الاخوان المسلمين على علاقات العبادة والصداقة والقرابة كمدخل للتجنيد السياسي للأعضاء، وإن كان اعتمادها أكثر على علاقات العبادة والقرابة في المستوى العام العلني للجماعة، والذي يطلق عليه المحيط العام؛ أما في ما يتعلق بالنظام الخاص، فكان المدخل الأساسي هو علاقة الصداقة، فمحمود الصباغ انضم إلى عضوية هذا النظام من خلال صديقه مصطفى مشهور. كما أننا لا نجد من خلال تحليل علاقات قيادة هذا الجهاز أي علاقة للقرابة، الأمر الذي يؤكد ما توصلنا إليه من أن علاقة الصداقة كانت المدخل الأول الذي اعتمدت عليه الجماعة للتجنيد في النظام الخاص.
(8) إن اهتمام الجماعة ومرشدها الأول بالصعيد، إلى حد قيامه برحلاته إلى قراه ونجوعه في فصل الصيف الشديد الحرارة في هذه المنطقة، يثير أكثر من تساؤل حول أهمية اتخاذ البعد المكاني في التحليل، وبخاصة أن صعيد مصر يعد من أكثر المناطق تخلفاُ من حيث الخدمات والمرافق التحديثية، كما تسوده نوعية معينة من العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تحتل فيها العائلة والقبيلة والعشيرة مكانة مهمة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن مدينة أسيوط قد أصبحت معقلاً مهماً للاخوان المسلمين عام 1936، بحيث استطاعت الجماعة أن تجند في صفوفها أئمة المساجد ومدرسي المدارس الأولية، الأمر الذي أكسبها فعالية سياسية في أحياء أسيوط الفقيرة. ومما ضاعف في الوقت نفسه استقطاب الاخوان لفئات واسعة، أن أسيوط استهدفت منذ منتصف القرن التاسع عشر من حملات التبشير المختلفة الأمر الذي يجعلنا نصل إلى أن جماعة الاخوان كانت تعطي اهتماماً خاصاً بالبعد المكاني وخصائصه في عملية التجنيد السياسي للأعضاء