: نص الوثيقة
إنا فتحنا لك فتحا مبينا
عاطفة ومصارحة وتأصيل شرعى
أحببنا أن نستهل خطابنا إلى إخواننا بعاطفة، عاطفة تنتقل من قلوب إخوانكم لكم لتعلموا أنكم أحب إليهم من أنفسهم، جمعتنا الأخوة والمحبة فى الله، ووضعنا غايتنا فى قلوبنا لتنير طريقنا فأصبح طريقنا واضحا كالشمس فى رابعة النهار، وبنا أو بغيرنا.. أيها الأحباب ستعود دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة كما جاء فى حديث الإمام أحمد عن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضًّا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الشهيد حسن البنا فكانت الدعوة، وكان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ثم شاء الله سبحانه أن يكون الشهيد سيد قطب فكانت الفكرة، وما بين الدعوة والفكرة، الحركة والمنهج، عاش إخوانكم وعشتم، يقدمون وتقدمون الأموال والحريات والأرواح فى سبيل الله، لا تبتغون إلا رضوانه، وبمثل ما تفعلون فى سبيل الله تنتصر الدعوات، وبطريقكم الذى تسيرون فيه تقوم دولة الإسلام، وبخطواتكم المنظمة المنتظمة التى تسيرون بها تعود دولة الخلافة، وبمنهجكم الذى أنتم عليه يهب الله لكم أستاذية العالم، وإذا كانت الثقة فى القيادة هى أهم أركان البيعة، إلا أننا ومن منطلق المكاشفة نفتح الأبواب أمام الجميع، يلج منها من يشاء، نبدد بالأبواب المفتوحة الظنون والتخمينات والهواجس التى قد تنتاب البعض من إخواننا وهذا حقهم علينا، وواجبنا نحوهم، وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا.
أرسل كثير من الإخوان لنا يسألون عن موقفنا من الأحداث التى حدثت فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود، وقد ظن البعض أننا تخلينا عن الجهاد فى سبيل الله ونصرة المظلوم وتركنا الضحايا يقعون قتلى دون أن ننتصر لهم، ورغم أننا أصدرنا بيانا أرسلناه إلى كل الإخوان ونشرناه فى موقع «إخوان أون لاين» قلنا فيه:
«ينطلق الإخوان المسلمون فى اتخاذ قراراتهم ومواقفهم من نظرة متوازنة بين العقل والعاطفة، تضبطها القواعد الشرعية، وتنتصر للمبادئ، بعيدا عن المصالح الخاصة، وهذا هو الذى حكم موقفنا الأخير من عدم المشاركة فى الأحداث الأخيرة، فكان تقديرنا للموقف أن هناك خطة لإحداث فوضى يترتب عليها التهرب من الاستحقاقات الديمقراطية، وتعطيل نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة، ومن ثم قررنا الإصرار على استكمال المسيرة الديمقراطية التى هى أهم أهداف ثورة 25 يناير، وأن لا نستدرج لهذا المخطط، وللأسف فقد فهم البعض هذا الموقف على غير وجهه الصحيح، وأساؤوا إلى الإخوان، ونحن نضرب صفحًا عن الإساءات، ونوضح الحقائق التالية:
إن الشباب الذى استفزته المناظر الوحشية لاعتداء الشرطة والشرطة العسكرية على المعتصمين فهرع إلى الميدان لمناصرة المتظاهرين إنما هم شباب وطنى مخلص نبيل.
إن العدوان عليهم إنما هو إجرام فى إجرام.
إننا لو كنا اشتركنا فى هذه المظاهرات لتصاعد العنف والقتل والتخريب، وترتبت على ذلك نتائج سيئة قد تصل إلى الانقلاب على كل أهداف ثورة 25 يناير.
ولو كنا نحرص على مصالحنا الخاصة وحصد الشعبية فى الشارع السياسى لكان النزول إلى الميدان هو السبيل إلى ذلك، ولكننا امتنعنا عن النزول على الرغم مما وجه إلينا من انتقادات من الخصوم المتربصين، ومن المخلصين الذين ليس لديهم من المعلومات ما لدينا.
إن حرصنا على إجراء الانتخابات فى مواعيدها ليس حرصا منا على كسب المقاعد -فذلك كله فى علم الغيب- ولكن من أجل البدء فى الخطوات الديمقراطية لإنشاء مؤسسات الدولة (برلمان – دستور – حكومة – رئيس جمهورية) أى نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة فى أقرب وقت ممكن».
موقفنا الذى أصدرنا البيان بشأنه كان شرعيا مبتنى على مستند من الشرع وعلى أساس من اجتهادات إخوانكم التى لم تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الإمام الشاطبى فى «الموافقات»: المعلوم من الشريعة، أنها شرعت لمصالح العباد، فالتكليف كله، إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة، أو لهما معا، والمصلحة ضد المفسدة، والمراد بالمصلحة، كما قال أهل الأصول: هى المنفعة أو وسيلتها التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، ومما أجمع عليه العلماء أن أعظم المقاصد وأجل المطالب هو حفظ الدين، والحكم بما أنزل الله «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»، والحكم بما أنزل الله يعنى تجريد العبودية لله تعالى لا شريك له «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، ولذلك فإن حياة المسلم كلها ينبغى أن تكون لله وحده عبادة وشريعة «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين»، ويشير إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «معرفة رب العالمين غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية»، ومقصد حفظ الدين يقوم على أصلين كما يقرر ذلك الإمام الشاطبى فى «الموافقات»:
الأول: حفظ الدين من جانب الوجود، وذلك بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده.
الثانى: حفظ الدين من جانب العدم، وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع.
كما أن هناك أمورا فى الشريعة واجب فعلها على كل مكلف، وهو ما يعرف عند الأصوليين بالواجب العينى، وهناك أمور فى الشريعة يكون فعلها واجبا على الجميع ويسقط بفعل البعض لها، وهو ما يعرف عند أهل الأصول بالواجب الكفائى، ثم الناس فى القيام بالشريعة على مراتب ثلاث، هى مراتب الدين: مسلمون ومؤمنون ومحسنون.
وكل مسلم يجب عليه أن يقيم الدين ولا يفرط فيه، وليست إقامة الدين قاصرة على إقامته من حيث النسك والعبادة، فنصوص الشريعة الواضحة القاطعة ناطقة بأنه دين شامل، فالإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء، ولهذا فالأمة لا تقبل مطلقا فكرة الفصل بين الدين وبين سائر شؤون الحياة، وترى ذلك أخذا لبعض الكتاب وتركا لبعضه، وقد كثر التحذير من ذلك فى القرآن والسنة الصحيحة، وقد فرقت الشريعة بين الأحكام القطعية التى لا تحتمل تأويلا ولا تغييرا، وغالب ذلك فى العقائد والعبادات والأخلاق وأحكام الأسرة والعلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية والحدود الشرعية، وبين الأحكام المرتبطة بعلل أو بمصالح العباد، فتدور مع العلل والمصالح، وغالب هذا النوع فى المعاملات الاقتصادية والأحكام السياسية والعلاقات الدولية، وفى هذا الإطار كانت هناك ضوابط عامة وقواعد كلية ومرونة كبيرة فى التعامل مع التفاصيل الجزئية، بما يحقق مصالح العباد.
وعلى هذا فالدين عبارة عن عدة معان عالية، فهو الطاعة والعبادة والخضوع والانقياد، وإقامة الدين بهذا المعنى مقصد أساسى من مقاصد الحكم فى الإسلام، فالحاكم مكلف ومسؤول عن إيقاف الناس على جادة طريق الدين، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: «إنما بعثت عمالى إليكم ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم»، فإذا اجتهد الراعى فى إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه.
والأمر الذى اتفق عليه علماء الأمة هو أنه لا يمكن فى واقعنا السياسى والمجتمعى، الدولى والمحلى، أن يتحقق هدف إقامة الدين بصورته المتكاملة التى أرادها الله سبحانه دون حكومة إسلامية راشدة تعمل من أجل الوصول إليه، وتشق جبال الصبر فى سبيل المحافظة عليه.
وقد يقع خلاف حول الحكم وهل هو من الإسلام أم لا، خصوصا وقد خرجت أخيرا فتوى من دار الإفتاء عن أن الإسلام لم يرد به نظام حكم!! وهو نفس الأمر الذى سبق وأن قال به على عبد الرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، الذى خرج بسببه من زمرة العلماء، ولكن الذى لا شك فيه هو أن الدين حكم والحكم من الدين، فإذا لم يقم حكام المسلمين دين الله وجب ذلك على الجماعة المسلمة، فهم خلفاء الرسول فى ذلك، إذ الدين والحكم صنوان، وقد سمى الله تعالى فى كتابه الحكم دينا فقال عن سيدنا يوسف عليه السلام «ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله»، أى لم يكن له الحق فى أخذه وفقا لحكم ملك مصر وقانونه، ونحن مطالبون بشكل عام بأن ننصر دين الله ونقيمه، ولسنا على شىء ما لم نقِمه، والله تعالى يقول لأهل الكتاب «قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم»، ولذلك فإن ادعاء الإسلام والإيمان دون نصر الدين بالعمل لإقامته لهو من الدعاوى العريضة التى يُسأل عنها المرء ويحاسَب، فنصرة دين الإسلام والعمل لإقامته أمانة وميثاق، فإذا تخلف الحكام عن إقامة الدين فإن إقامة الدين فى هذه الحالة تصبح واجب الجماعة الإسلامية كلها، وهو مسؤوليتها التى لا ينبغى أن تختلف عليها أو تتفرق فى شأنها، فكل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق لا يظن أن عمله لإقامة الدين هو مجرد بذل جهد، ولا أن ينفصل عن واقعه ليعيش لنفسه يبذل المستطاع لإفراغ حياته فى قالب الزهد والتنسك والصلاة والقيام والصوم ولا يعنيه ما عدا ذلك، وكما قال الشاعر:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا .. لوجدت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه .. فنحورنا بدمائنا تتخضب
عبادة الباكين لا تبرأ ذمتهم أمام الله، بل يلزمهم السعى فى انتزاع زمام الأمر من أيدى الكافرين والفجرة الظالمين، حتى يتسلمه رجال ذوو صلاح يقيمون الدين فيقوم فى الأرض ذلك النظام الحق الذى شرعه الله لنا، والذى به صلاح أمور الدنيا وقوام شؤونها، أما أن يطمئن المسلمون أنفسهم بأن الدين باق، وأن الله تكفل بحفظه، ملقين بذلك عن عواتقهم تبِعة العمل لإقامة حكمه فهذه هى المغالطة، وهذا هو السير وراء السراب، وهم بذلك يصبحون من أتباع «الإسلام المنقوص» الذى هو إسلام العامة فى مصر، والإسلام المنقوص ليس هو الدين الذى نتعبد به لله، فما يجدى بقاء الدين محفوظا فى الكتب، نسمعه على المنابر من الخطباء، إذا كان منتهكا ومهملا فى الواقع، وإذا كنا قد اتخذنا القرآن وراءنا ظهريا، لقد جاء الإسلام من عند الله لينفذ فى دنيا الواقع، وليتبعه الناس فى نشاطهم الحيوى كله، بحيث لا يبقى مجرد شعور وجدانى قابع فى ضمائرهم، ولا مجرد تهذيب روحى فى سلوكهم، ولا مجرد شعائر تعبدية فى مساجدهم، ولا مجرد أحوال شخصية فى جانب واحد من جوانب حياتهم، ولكن مع هذا كله أن يقوم حكم الله فى الأرض «إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه»، وحكم الله فى الأرض لا يقوم وحده ولن يطبق من حاله دون جهد المسلمين الذين قبلوا أن يتحاكموا لغير الله «ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، هؤلاء من أصحاب الإسلام المنقوص، إسلام الجاهلية لا إسلام التوحيد والتسليم لله سبحانه، وهو إسلام لا نعرفه ولا يعرفه أهل العلم، هو إسلام ليس فيه توحيد الألوهية، إسلام منزوع التوحيد، لا يكابر فى هذا أحد، فالتوحيد الخالص لله فى مصر بل فى العالم الإسلامى كله أصبح فيه دَخَن، ولم يسلم من هذا الدخن إلا من رحم ربى ممن يعملون معكم لإقامة حكم الله فى الأرض، أنتم أيها الإخوة من هؤلاء، نحسبكم من أصحاب الإسلام الخالص التقى الذى لم تخالطه شائبة، ويكفى أنكم تسيرون على خطى الشهيدين حسن البنا وسيد قطب، فمن سار معنا ومعكم على نهجهما فهو من المسلمين أصحاب المنهج الحق، ومن خالفهما فهو من المستسلمين، وهذا غير ذاك فالمسلم هو من أسلم وجهه لله، تجدون هذه العقيدة الخالصة فى رسائل الإمام الشهيد وفى ظلال الشهيد سيد قطب، والمستسلم هو من أسلم وجهه للناس فأخذ منهم علمانية أو ليبرالية، أو مناهج أرضية ما أنزل الله بها من سلطان.
ومنذ أن قضى مبعوث اليهود أتاتورك على الخلافة الإسلامية والوثنية بصورها المختلفة قد دبت أقدامها فى بلاد المسلمين، وثنية ليست كوثنية القرون الجاهلية، ولكنها وثنية أشد وأكثر خطرا، لأنها ارتدت ثوب الإسلام فعميت على الناس، ومن فرط انتشارها أصبحنا وعيوننا لا تقع إلا على صنم قد هام فى صنم، وقد تسلل الشرك الخفى فى قلوب المسلمين، وملأت مظاهر الشرك بالله الحياة السياسية، ومهمتنا الكبرى هى محاربتها ومواجهة أنصارها من العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين وأصحاب المناهج الأرضية، هؤلاء هم أنصار الطاغوت لم يقفوا عند حد رفض حكم الإسلام ولكنهم حاربوه وحاولوا بشتى الطرق خلعه من قلوبنا ليسهل لهم خلعه من بلاد المسلمين، العلمانيون هم الملحدون الجدد اختفوا وراء عباءة العلمانية وخدعوا العامة بأن علمانيتهم من العلم، ليسهل لهم تمرير أنفسهم فى مجتمعاتنا، والليبراليون ومن والاهم هم أهل الانحلال، سعيهم كله يدور حول نقل الليبرالية بمفهومها الغربى إلى بلادنا حتى ولو كانت هذه الليبرالية فى معناها هى عبادة الإنسان لذاته من دون الله، حيث تكون حرية الفرد هى الرب الأعلى، الذى من أجله تلغى التشريعات الإلهية من حياتنا، هذه الحرية هى شرك بالله، وأصحابها يعبدون أنفسهم من دون الله، ويعبدون الغرب الذى ينقلون عنه، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «والله لتتبعن سنن من كان قبلكم (أى اليهود والنصارى) شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، كل هذه الأشكال ليست من الإسلام فى شىء، أفكارهم ليست كما يقولون تتفق مع الإسلام، فالإسلام ليس فيه إلا الحكم لله وحده، هو صاحب الحق فى التشريع «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، فالذين لا يحكمون شرع الله ليسوا من المسلمين وليس الإسلام عقيدتهم، وفى واقعنا المعاصر نجد أن أهل السياسة جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وهذا كفر.
ولا يكتمل المشهد الإسلامى إلا إذا أقام المسلمون الخلافة التى تضطلع بمهمة إقامة الدين إذا لم تكن قائمة، وأن يدعموها ويتبنوها إذا كانت قائمة، ففى قوتها قوة للدين، وفى ضعفها أو ضياعها ضياع للدين، وما لم توجد هذه الخلافة فتقوم بواجبها فسيظل أمر الدين متواريا فى زوايا الإهمال واللا مبالاة، ومدرجا على رفوف النسيان، فإذا أهمل المسلمون إقامة هذا الفرض فلا ينبغى أن نركن إليهم «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار»، بل ينبغى أن يقوم الإخوان المسلمون بهذا الفرض نيابة عن جميع المسلمين، ومن أجل هذا كانت دعوة الإخوان لا لشىء آخر، خصوصا أن المتفق عليه أن استعادة الخلافة وإقامتها فرض، فإقامة الخلافة يترتب عليها تطبيق أحكام الإسلام وكون أنها فرض على المسلمين هو أمر لا شبهة فى ثبوته فى نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضا من جهة ما يحتِّمه الفرض الذى فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام وحماية بيضة المسلمين، إلا أن هذا الفرض هو فرض على الكفاية، فإن أقامه بعضهم سقط عن الباقين، وإن لم يستطع أن يقيمه بعضهم، ولو قاموا بالأعمال التى تقيمه، فإنه يبقى فرضا على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أى مسلم ما دام المسلمون بغير خلافة، والقعود عن إقامة الخلافة هو معصية من أكبر المعاصى، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، يتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام فى معترك الحياة فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم فى جميع أقطار المعمورة واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة الخلافة التى فرضها الله عليهم، لا سيما أن هذا الفرض تنفذ به كل الفروض وتقام من خلاله أحكام الدين ويعلو به أمر الإسلام.
لهذا أيها الإخوة كانت وجوبية التنظيم، فمن خلاله ستقوم دولة الإسلام، وبدولة الإسلام تقوم الخلافة، إلا أن هناك من يضع العوائق نحو إقامة دولة الإسلام، ونحو استعادة الخلافة، هؤلاء فى حقيقة الأمر لا يقفون ضد فريق من المسلمين ولا يقفون ضد الإخوان المسلمين، هم ليسوا خصوم الجماعة، ولا يخوضون الانتخابات باعتبارهم فصائل سياسية مختلفة مع الإخوان أو منافسة لهم، لكنهم خصوم الإسلام يقفون ضد فريضة إسلامية وينكرون المعلوم من الدين بالضرورة، هؤلاء بذلك خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وكذلك كل من أراد أن يقوض الجماعة، سواء أولئك الذين كانوا معنا، أو الذين سخروا حياتهم وأموالهم لمواجهتنا، لأنهم فى واقع الأمر لا يقفون ضدنا كجماعة بشرية، يرد عليها الخطأ والصواب، لكنهم يقفون ضدنا كجماعة ربانية، تقوم وحدها نيابة عن المسلمين جميعا بالسعى لإقامة أعلى الفرائض الإسلامية.
ولأن هناك من يقف ضد هذه الفريضة، لذلك يجب علينا أن نسعى لها بكل الوسائل، حتى ولو كانت هذه الوسائل فى ظاهرها مفسدة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة هى إحدى القواعد الكلية الفرعية، فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة «الضرر يزال»، وبعضهم تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير»، أو تحت قاعدة «إذا ضاق الأمر اتسع»، وبمعناها قول ابن القيم وابن سعدى: «لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة»، وبتلك القاعدة نعيد ضبط المصطلحات السياسية، ونحدد مواقفنا الحركية التى نضبطها بالمصالح الشرعية، وهذا الضبط يضع أمامكم ملامح القاعدة الشرعية التى تحكمنا:
- السياسة الشرعية لها أحكامها، من أحكامها تغليب الأوجب على الواجب، والأصوب على الصائب، وإذا كان من الواجب فى الانتخابات أن يكون أفراد قائمة الإخوان من أصحاب الكفاءات الشرعية والسياسية ممن يشتركون معنا فى الغايات ولا يحاربون إقامة دولة الإسلام، فمن الوسائل أن نتترس فى قوائمنا الانتخابية بهم، وهذا واجب، فإن الأوجب أن نتترس فى قوائمنا بالجاهليين من الناصريين والنصارى والليبراليين، من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع، من أجل هذا أيضا كان دخول نصرانى فى قوائمنا، كل هذا نعتبره وفقا لمعيار المصالح والمفاسد من الضرورات التى تبيح المحظورات.
- الشرائع الكلية لا تتغير بتغير الأزمنة، بينما السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانا ومكانا، الشرائع الكلية هى التشريع العام الذى يشمل الزمان كله والمكان كله، والسياسات الجزئية هى ما لم تأت فيها نصوص بخصوصها، فإن الفقه فيها يكون عن طريق الاجتهاد الذى تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يتوهم أنه مفسدة بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح.
- الانتخابات والبرلمان والنقابات والتحالفات هى من السياسات الجزئية فى السياسة الشرعية، ونحن نسعى للوصول إلى البرلمان، ليس من أجل التشريع، لكن من أجل الشريعة، وليس من أجل إقامة حكم ديمقراطى، لكن من أجل إقامة حكم إسلامى.
- ليست الديمقراطية وما يتعلق بها من تداول للسلطة هى كحلف الفضول الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به فى الإسلام لأجبت»، ولكن الديمقراطية هى من الوسائل السلمية التى من خلالها سيتم التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام، فهى مجرد وسيلة مثلها كصلح الحديبية، وكان هذا الصلح فتحا عظيما ونصرا مبينا للمسلمين، حيث تم بعده التمكين لدين الله فى الجزيرة العربية، فلا عجب إذن أن يسميه الله تعالى فتحا مبينا.
- وإذا كنا قد جاهدنا فى العقود الماضية ضد التزوير وتزييف إرادة الشعب المسلم، ودخلنا السجون والمعتقلات وصودرت أموالنا واستشهد من إخواننا، فإن ثورة يناير وأحداثها ونتائجها كانت بلا شك تتويجا لجهادنا، لذلك كان للإسلام أن يجنى ثمار هذا الجهاد، وطريقة جنى الثمار هى الأدق والأخطر فى طريق التمكين لدولة الإسلام، لذلك كان لها فقهها، فالاصطدام بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أى مرحلة بعد الثورة كان من شأنه أن يعيدنا إلى الوراء سنوات، لذلك كان لنا أن نضبط التعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الفعلى للبلاد، وفقا لمعيار المصالح والمفاسد، وكذلك الأمر مع الانتخابات التى صممت الفرق المناوئة للإسلام على تعطيلها، خوفا من إقامة دولة الإسلام، وإذا كانت المظاهرات المليونية أو ما اصطلحوا على تسميتها بذلك قد خرجت فى معظمها من أجل الاصطدام مع المجلس العسكرى ووأد الانتخابات القادمة، فإن فقه المرحلة لدينا قام على اعتبار أن الانتخابات والديمقراطية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمظاهرات والأحزاب وحزب الحرية والعدالة والتحالفات ومن قبلهم التعديلات الدستورية، كل هؤلاء وسائل فى طريق التمكين لدولة الإسلام، والذى منها ستكون دولة الخلافة، والذى منها سيكون التمكين لدين الله فى الأرض، وقد أجاز الفقهاء أن نترخص فى الوسائل من أجل تحقيق مقاصد الإسلام.
هذه دراسة قام بها إخوانكم من أهل الاختصاص، وهى لم تأت بجديد، وإنما كانت تعريفا لمنهجنا السياسى الذى نحن عليه منذ أن قيض الله لهذه الدعوة الشهيد حسن البنا، وبعث فيها روحا جديدة بالشهيد سيد قطب، ولا غرو فقد كانت اجتهادات إخوانكم الأولين قائمة على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد، وأيضا على التفرقة بين الشرائع الكلية التى لا تتغير بتغير الأزمنة والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التى تتقيد بها زمانا ومكانا، وعلى المعرفة بالواقع والخبرة فيه وفهم دقائقه، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية، وقامت أيضا على دراسة السياسة الشرعية للخلفاء الراشدين والفقه فيها، وعلى معرفة أن الاجتهاد فى باب السياسة الشرعية ليس بمجرد ما يتصور أنه مصلحة وإنما يلزم التقيد فى ذلك بالمصالح المعتبرة شرعا.. وآخر قولنا هو وصيتنا لكم بتقوى الله وترك التفرق والتشرذم.. «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» صدق الله العظيم.
وانتهت الوثيقة
عاطفة ومصارحة وتأصيل شرعى
أحببنا أن نستهل خطابنا إلى إخواننا بعاطفة، عاطفة تنتقل من قلوب إخوانكم لكم لتعلموا أنكم أحب إليهم من أنفسهم، جمعتنا الأخوة والمحبة فى الله، ووضعنا غايتنا فى قلوبنا لتنير طريقنا فأصبح طريقنا واضحا كالشمس فى رابعة النهار، وبنا أو بغيرنا.. أيها الأحباب ستعود دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة كما جاء فى حديث الإمام أحمد عن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضًّا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الشهيد حسن البنا فكانت الدعوة، وكان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ثم شاء الله سبحانه أن يكون الشهيد سيد قطب فكانت الفكرة، وما بين الدعوة والفكرة، الحركة والمنهج، عاش إخوانكم وعشتم، يقدمون وتقدمون الأموال والحريات والأرواح فى سبيل الله، لا تبتغون إلا رضوانه، وبمثل ما تفعلون فى سبيل الله تنتصر الدعوات، وبطريقكم الذى تسيرون فيه تقوم دولة الإسلام، وبخطواتكم المنظمة المنتظمة التى تسيرون بها تعود دولة الخلافة، وبمنهجكم الذى أنتم عليه يهب الله لكم أستاذية العالم، وإذا كانت الثقة فى القيادة هى أهم أركان البيعة، إلا أننا ومن منطلق المكاشفة نفتح الأبواب أمام الجميع، يلج منها من يشاء، نبدد بالأبواب المفتوحة الظنون والتخمينات والهواجس التى قد تنتاب البعض من إخواننا وهذا حقهم علينا، وواجبنا نحوهم، وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا.
أرسل كثير من الإخوان لنا يسألون عن موقفنا من الأحداث التى حدثت فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود، وقد ظن البعض أننا تخلينا عن الجهاد فى سبيل الله ونصرة المظلوم وتركنا الضحايا يقعون قتلى دون أن ننتصر لهم، ورغم أننا أصدرنا بيانا أرسلناه إلى كل الإخوان ونشرناه فى موقع «إخوان أون لاين» قلنا فيه:
«ينطلق الإخوان المسلمون فى اتخاذ قراراتهم ومواقفهم من نظرة متوازنة بين العقل والعاطفة، تضبطها القواعد الشرعية، وتنتصر للمبادئ، بعيدا عن المصالح الخاصة، وهذا هو الذى حكم موقفنا الأخير من عدم المشاركة فى الأحداث الأخيرة، فكان تقديرنا للموقف أن هناك خطة لإحداث فوضى يترتب عليها التهرب من الاستحقاقات الديمقراطية، وتعطيل نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة، ومن ثم قررنا الإصرار على استكمال المسيرة الديمقراطية التى هى أهم أهداف ثورة 25 يناير، وأن لا نستدرج لهذا المخطط، وللأسف فقد فهم البعض هذا الموقف على غير وجهه الصحيح، وأساؤوا إلى الإخوان، ونحن نضرب صفحًا عن الإساءات، ونوضح الحقائق التالية:
إن الشباب الذى استفزته المناظر الوحشية لاعتداء الشرطة والشرطة العسكرية على المعتصمين فهرع إلى الميدان لمناصرة المتظاهرين إنما هم شباب وطنى مخلص نبيل.
إن العدوان عليهم إنما هو إجرام فى إجرام.
إننا لو كنا اشتركنا فى هذه المظاهرات لتصاعد العنف والقتل والتخريب، وترتبت على ذلك نتائج سيئة قد تصل إلى الانقلاب على كل أهداف ثورة 25 يناير.
ولو كنا نحرص على مصالحنا الخاصة وحصد الشعبية فى الشارع السياسى لكان النزول إلى الميدان هو السبيل إلى ذلك، ولكننا امتنعنا عن النزول على الرغم مما وجه إلينا من انتقادات من الخصوم المتربصين، ومن المخلصين الذين ليس لديهم من المعلومات ما لدينا.
إن حرصنا على إجراء الانتخابات فى مواعيدها ليس حرصا منا على كسب المقاعد -فذلك كله فى علم الغيب- ولكن من أجل البدء فى الخطوات الديمقراطية لإنشاء مؤسسات الدولة (برلمان – دستور – حكومة – رئيس جمهورية) أى نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة فى أقرب وقت ممكن».
موقفنا الذى أصدرنا البيان بشأنه كان شرعيا مبتنى على مستند من الشرع وعلى أساس من اجتهادات إخوانكم التى لم تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الإمام الشاطبى فى «الموافقات»: المعلوم من الشريعة، أنها شرعت لمصالح العباد، فالتكليف كله، إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة، أو لهما معا، والمصلحة ضد المفسدة، والمراد بالمصلحة، كما قال أهل الأصول: هى المنفعة أو وسيلتها التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، ومما أجمع عليه العلماء أن أعظم المقاصد وأجل المطالب هو حفظ الدين، والحكم بما أنزل الله «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»، والحكم بما أنزل الله يعنى تجريد العبودية لله تعالى لا شريك له «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، ولذلك فإن حياة المسلم كلها ينبغى أن تكون لله وحده عبادة وشريعة «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين»، ويشير إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «معرفة رب العالمين غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية»، ومقصد حفظ الدين يقوم على أصلين كما يقرر ذلك الإمام الشاطبى فى «الموافقات»:
الأول: حفظ الدين من جانب الوجود، وذلك بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده.
الثانى: حفظ الدين من جانب العدم، وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع.
كما أن هناك أمورا فى الشريعة واجب فعلها على كل مكلف، وهو ما يعرف عند الأصوليين بالواجب العينى، وهناك أمور فى الشريعة يكون فعلها واجبا على الجميع ويسقط بفعل البعض لها، وهو ما يعرف عند أهل الأصول بالواجب الكفائى، ثم الناس فى القيام بالشريعة على مراتب ثلاث، هى مراتب الدين: مسلمون ومؤمنون ومحسنون.
وكل مسلم يجب عليه أن يقيم الدين ولا يفرط فيه، وليست إقامة الدين قاصرة على إقامته من حيث النسك والعبادة، فنصوص الشريعة الواضحة القاطعة ناطقة بأنه دين شامل، فالإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء، ولهذا فالأمة لا تقبل مطلقا فكرة الفصل بين الدين وبين سائر شؤون الحياة، وترى ذلك أخذا لبعض الكتاب وتركا لبعضه، وقد كثر التحذير من ذلك فى القرآن والسنة الصحيحة، وقد فرقت الشريعة بين الأحكام القطعية التى لا تحتمل تأويلا ولا تغييرا، وغالب ذلك فى العقائد والعبادات والأخلاق وأحكام الأسرة والعلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية والحدود الشرعية، وبين الأحكام المرتبطة بعلل أو بمصالح العباد، فتدور مع العلل والمصالح، وغالب هذا النوع فى المعاملات الاقتصادية والأحكام السياسية والعلاقات الدولية، وفى هذا الإطار كانت هناك ضوابط عامة وقواعد كلية ومرونة كبيرة فى التعامل مع التفاصيل الجزئية، بما يحقق مصالح العباد.
وعلى هذا فالدين عبارة عن عدة معان عالية، فهو الطاعة والعبادة والخضوع والانقياد، وإقامة الدين بهذا المعنى مقصد أساسى من مقاصد الحكم فى الإسلام، فالحاكم مكلف ومسؤول عن إيقاف الناس على جادة طريق الدين، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: «إنما بعثت عمالى إليكم ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم»، فإذا اجتهد الراعى فى إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه.
والأمر الذى اتفق عليه علماء الأمة هو أنه لا يمكن فى واقعنا السياسى والمجتمعى، الدولى والمحلى، أن يتحقق هدف إقامة الدين بصورته المتكاملة التى أرادها الله سبحانه دون حكومة إسلامية راشدة تعمل من أجل الوصول إليه، وتشق جبال الصبر فى سبيل المحافظة عليه.
وقد يقع خلاف حول الحكم وهل هو من الإسلام أم لا، خصوصا وقد خرجت أخيرا فتوى من دار الإفتاء عن أن الإسلام لم يرد به نظام حكم!! وهو نفس الأمر الذى سبق وأن قال به على عبد الرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، الذى خرج بسببه من زمرة العلماء، ولكن الذى لا شك فيه هو أن الدين حكم والحكم من الدين، فإذا لم يقم حكام المسلمين دين الله وجب ذلك على الجماعة المسلمة، فهم خلفاء الرسول فى ذلك، إذ الدين والحكم صنوان، وقد سمى الله تعالى فى كتابه الحكم دينا فقال عن سيدنا يوسف عليه السلام «ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله»، أى لم يكن له الحق فى أخذه وفقا لحكم ملك مصر وقانونه، ونحن مطالبون بشكل عام بأن ننصر دين الله ونقيمه، ولسنا على شىء ما لم نقِمه، والله تعالى يقول لأهل الكتاب «قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم»، ولذلك فإن ادعاء الإسلام والإيمان دون نصر الدين بالعمل لإقامته لهو من الدعاوى العريضة التى يُسأل عنها المرء ويحاسَب، فنصرة دين الإسلام والعمل لإقامته أمانة وميثاق، فإذا تخلف الحكام عن إقامة الدين فإن إقامة الدين فى هذه الحالة تصبح واجب الجماعة الإسلامية كلها، وهو مسؤوليتها التى لا ينبغى أن تختلف عليها أو تتفرق فى شأنها، فكل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق لا يظن أن عمله لإقامة الدين هو مجرد بذل جهد، ولا أن ينفصل عن واقعه ليعيش لنفسه يبذل المستطاع لإفراغ حياته فى قالب الزهد والتنسك والصلاة والقيام والصوم ولا يعنيه ما عدا ذلك، وكما قال الشاعر:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا .. لوجدت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه .. فنحورنا بدمائنا تتخضب
عبادة الباكين لا تبرأ ذمتهم أمام الله، بل يلزمهم السعى فى انتزاع زمام الأمر من أيدى الكافرين والفجرة الظالمين، حتى يتسلمه رجال ذوو صلاح يقيمون الدين فيقوم فى الأرض ذلك النظام الحق الذى شرعه الله لنا، والذى به صلاح أمور الدنيا وقوام شؤونها، أما أن يطمئن المسلمون أنفسهم بأن الدين باق، وأن الله تكفل بحفظه، ملقين بذلك عن عواتقهم تبِعة العمل لإقامة حكمه فهذه هى المغالطة، وهذا هو السير وراء السراب، وهم بذلك يصبحون من أتباع «الإسلام المنقوص» الذى هو إسلام العامة فى مصر، والإسلام المنقوص ليس هو الدين الذى نتعبد به لله، فما يجدى بقاء الدين محفوظا فى الكتب، نسمعه على المنابر من الخطباء، إذا كان منتهكا ومهملا فى الواقع، وإذا كنا قد اتخذنا القرآن وراءنا ظهريا، لقد جاء الإسلام من عند الله لينفذ فى دنيا الواقع، وليتبعه الناس فى نشاطهم الحيوى كله، بحيث لا يبقى مجرد شعور وجدانى قابع فى ضمائرهم، ولا مجرد تهذيب روحى فى سلوكهم، ولا مجرد شعائر تعبدية فى مساجدهم، ولا مجرد أحوال شخصية فى جانب واحد من جوانب حياتهم، ولكن مع هذا كله أن يقوم حكم الله فى الأرض «إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه»، وحكم الله فى الأرض لا يقوم وحده ولن يطبق من حاله دون جهد المسلمين الذين قبلوا أن يتحاكموا لغير الله «ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، هؤلاء من أصحاب الإسلام المنقوص، إسلام الجاهلية لا إسلام التوحيد والتسليم لله سبحانه، وهو إسلام لا نعرفه ولا يعرفه أهل العلم، هو إسلام ليس فيه توحيد الألوهية، إسلام منزوع التوحيد، لا يكابر فى هذا أحد، فالتوحيد الخالص لله فى مصر بل فى العالم الإسلامى كله أصبح فيه دَخَن، ولم يسلم من هذا الدخن إلا من رحم ربى ممن يعملون معكم لإقامة حكم الله فى الأرض، أنتم أيها الإخوة من هؤلاء، نحسبكم من أصحاب الإسلام الخالص التقى الذى لم تخالطه شائبة، ويكفى أنكم تسيرون على خطى الشهيدين حسن البنا وسيد قطب، فمن سار معنا ومعكم على نهجهما فهو من المسلمين أصحاب المنهج الحق، ومن خالفهما فهو من المستسلمين، وهذا غير ذاك فالمسلم هو من أسلم وجهه لله، تجدون هذه العقيدة الخالصة فى رسائل الإمام الشهيد وفى ظلال الشهيد سيد قطب، والمستسلم هو من أسلم وجهه للناس فأخذ منهم علمانية أو ليبرالية، أو مناهج أرضية ما أنزل الله بها من سلطان.
ومنذ أن قضى مبعوث اليهود أتاتورك على الخلافة الإسلامية والوثنية بصورها المختلفة قد دبت أقدامها فى بلاد المسلمين، وثنية ليست كوثنية القرون الجاهلية، ولكنها وثنية أشد وأكثر خطرا، لأنها ارتدت ثوب الإسلام فعميت على الناس، ومن فرط انتشارها أصبحنا وعيوننا لا تقع إلا على صنم قد هام فى صنم، وقد تسلل الشرك الخفى فى قلوب المسلمين، وملأت مظاهر الشرك بالله الحياة السياسية، ومهمتنا الكبرى هى محاربتها ومواجهة أنصارها من العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين وأصحاب المناهج الأرضية، هؤلاء هم أنصار الطاغوت لم يقفوا عند حد رفض حكم الإسلام ولكنهم حاربوه وحاولوا بشتى الطرق خلعه من قلوبنا ليسهل لهم خلعه من بلاد المسلمين، العلمانيون هم الملحدون الجدد اختفوا وراء عباءة العلمانية وخدعوا العامة بأن علمانيتهم من العلم، ليسهل لهم تمرير أنفسهم فى مجتمعاتنا، والليبراليون ومن والاهم هم أهل الانحلال، سعيهم كله يدور حول نقل الليبرالية بمفهومها الغربى إلى بلادنا حتى ولو كانت هذه الليبرالية فى معناها هى عبادة الإنسان لذاته من دون الله، حيث تكون حرية الفرد هى الرب الأعلى، الذى من أجله تلغى التشريعات الإلهية من حياتنا، هذه الحرية هى شرك بالله، وأصحابها يعبدون أنفسهم من دون الله، ويعبدون الغرب الذى ينقلون عنه، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «والله لتتبعن سنن من كان قبلكم (أى اليهود والنصارى) شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، كل هذه الأشكال ليست من الإسلام فى شىء، أفكارهم ليست كما يقولون تتفق مع الإسلام، فالإسلام ليس فيه إلا الحكم لله وحده، هو صاحب الحق فى التشريع «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، فالذين لا يحكمون شرع الله ليسوا من المسلمين وليس الإسلام عقيدتهم، وفى واقعنا المعاصر نجد أن أهل السياسة جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وهذا كفر.
ولا يكتمل المشهد الإسلامى إلا إذا أقام المسلمون الخلافة التى تضطلع بمهمة إقامة الدين إذا لم تكن قائمة، وأن يدعموها ويتبنوها إذا كانت قائمة، ففى قوتها قوة للدين، وفى ضعفها أو ضياعها ضياع للدين، وما لم توجد هذه الخلافة فتقوم بواجبها فسيظل أمر الدين متواريا فى زوايا الإهمال واللا مبالاة، ومدرجا على رفوف النسيان، فإذا أهمل المسلمون إقامة هذا الفرض فلا ينبغى أن نركن إليهم «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار»، بل ينبغى أن يقوم الإخوان المسلمون بهذا الفرض نيابة عن جميع المسلمين، ومن أجل هذا كانت دعوة الإخوان لا لشىء آخر، خصوصا أن المتفق عليه أن استعادة الخلافة وإقامتها فرض، فإقامة الخلافة يترتب عليها تطبيق أحكام الإسلام وكون أنها فرض على المسلمين هو أمر لا شبهة فى ثبوته فى نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضا من جهة ما يحتِّمه الفرض الذى فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام وحماية بيضة المسلمين، إلا أن هذا الفرض هو فرض على الكفاية، فإن أقامه بعضهم سقط عن الباقين، وإن لم يستطع أن يقيمه بعضهم، ولو قاموا بالأعمال التى تقيمه، فإنه يبقى فرضا على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أى مسلم ما دام المسلمون بغير خلافة، والقعود عن إقامة الخلافة هو معصية من أكبر المعاصى، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، يتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام فى معترك الحياة فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم فى جميع أقطار المعمورة واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة الخلافة التى فرضها الله عليهم، لا سيما أن هذا الفرض تنفذ به كل الفروض وتقام من خلاله أحكام الدين ويعلو به أمر الإسلام.
لهذا أيها الإخوة كانت وجوبية التنظيم، فمن خلاله ستقوم دولة الإسلام، وبدولة الإسلام تقوم الخلافة، إلا أن هناك من يضع العوائق نحو إقامة دولة الإسلام، ونحو استعادة الخلافة، هؤلاء فى حقيقة الأمر لا يقفون ضد فريق من المسلمين ولا يقفون ضد الإخوان المسلمين، هم ليسوا خصوم الجماعة، ولا يخوضون الانتخابات باعتبارهم فصائل سياسية مختلفة مع الإخوان أو منافسة لهم، لكنهم خصوم الإسلام يقفون ضد فريضة إسلامية وينكرون المعلوم من الدين بالضرورة، هؤلاء بذلك خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وكذلك كل من أراد أن يقوض الجماعة، سواء أولئك الذين كانوا معنا، أو الذين سخروا حياتهم وأموالهم لمواجهتنا، لأنهم فى واقع الأمر لا يقفون ضدنا كجماعة بشرية، يرد عليها الخطأ والصواب، لكنهم يقفون ضدنا كجماعة ربانية، تقوم وحدها نيابة عن المسلمين جميعا بالسعى لإقامة أعلى الفرائض الإسلامية.
ولأن هناك من يقف ضد هذه الفريضة، لذلك يجب علينا أن نسعى لها بكل الوسائل، حتى ولو كانت هذه الوسائل فى ظاهرها مفسدة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة هى إحدى القواعد الكلية الفرعية، فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة «الضرر يزال»، وبعضهم تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير»، أو تحت قاعدة «إذا ضاق الأمر اتسع»، وبمعناها قول ابن القيم وابن سعدى: «لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة»، وبتلك القاعدة نعيد ضبط المصطلحات السياسية، ونحدد مواقفنا الحركية التى نضبطها بالمصالح الشرعية، وهذا الضبط يضع أمامكم ملامح القاعدة الشرعية التى تحكمنا:
- السياسة الشرعية لها أحكامها، من أحكامها تغليب الأوجب على الواجب، والأصوب على الصائب، وإذا كان من الواجب فى الانتخابات أن يكون أفراد قائمة الإخوان من أصحاب الكفاءات الشرعية والسياسية ممن يشتركون معنا فى الغايات ولا يحاربون إقامة دولة الإسلام، فمن الوسائل أن نتترس فى قوائمنا الانتخابية بهم، وهذا واجب، فإن الأوجب أن نتترس فى قوائمنا بالجاهليين من الناصريين والنصارى والليبراليين، من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع، من أجل هذا أيضا كان دخول نصرانى فى قوائمنا، كل هذا نعتبره وفقا لمعيار المصالح والمفاسد من الضرورات التى تبيح المحظورات.
- الشرائع الكلية لا تتغير بتغير الأزمنة، بينما السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانا ومكانا، الشرائع الكلية هى التشريع العام الذى يشمل الزمان كله والمكان كله، والسياسات الجزئية هى ما لم تأت فيها نصوص بخصوصها، فإن الفقه فيها يكون عن طريق الاجتهاد الذى تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يتوهم أنه مفسدة بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح.
- الانتخابات والبرلمان والنقابات والتحالفات هى من السياسات الجزئية فى السياسة الشرعية، ونحن نسعى للوصول إلى البرلمان، ليس من أجل التشريع، لكن من أجل الشريعة، وليس من أجل إقامة حكم ديمقراطى، لكن من أجل إقامة حكم إسلامى.
- ليست الديمقراطية وما يتعلق بها من تداول للسلطة هى كحلف الفضول الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به فى الإسلام لأجبت»، ولكن الديمقراطية هى من الوسائل السلمية التى من خلالها سيتم التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام، فهى مجرد وسيلة مثلها كصلح الحديبية، وكان هذا الصلح فتحا عظيما ونصرا مبينا للمسلمين، حيث تم بعده التمكين لدين الله فى الجزيرة العربية، فلا عجب إذن أن يسميه الله تعالى فتحا مبينا.
- وإذا كنا قد جاهدنا فى العقود الماضية ضد التزوير وتزييف إرادة الشعب المسلم، ودخلنا السجون والمعتقلات وصودرت أموالنا واستشهد من إخواننا، فإن ثورة يناير وأحداثها ونتائجها كانت بلا شك تتويجا لجهادنا، لذلك كان للإسلام أن يجنى ثمار هذا الجهاد، وطريقة جنى الثمار هى الأدق والأخطر فى طريق التمكين لدولة الإسلام، لذلك كان لها فقهها، فالاصطدام بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أى مرحلة بعد الثورة كان من شأنه أن يعيدنا إلى الوراء سنوات، لذلك كان لنا أن نضبط التعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الفعلى للبلاد، وفقا لمعيار المصالح والمفاسد، وكذلك الأمر مع الانتخابات التى صممت الفرق المناوئة للإسلام على تعطيلها، خوفا من إقامة دولة الإسلام، وإذا كانت المظاهرات المليونية أو ما اصطلحوا على تسميتها بذلك قد خرجت فى معظمها من أجل الاصطدام مع المجلس العسكرى ووأد الانتخابات القادمة، فإن فقه المرحلة لدينا قام على اعتبار أن الانتخابات والديمقراطية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمظاهرات والأحزاب وحزب الحرية والعدالة والتحالفات ومن قبلهم التعديلات الدستورية، كل هؤلاء وسائل فى طريق التمكين لدولة الإسلام، والذى منها ستكون دولة الخلافة، والذى منها سيكون التمكين لدين الله فى الأرض، وقد أجاز الفقهاء أن نترخص فى الوسائل من أجل تحقيق مقاصد الإسلام.
هذه دراسة قام بها إخوانكم من أهل الاختصاص، وهى لم تأت بجديد، وإنما كانت تعريفا لمنهجنا السياسى الذى نحن عليه منذ أن قيض الله لهذه الدعوة الشهيد حسن البنا، وبعث فيها روحا جديدة بالشهيد سيد قطب، ولا غرو فقد كانت اجتهادات إخوانكم الأولين قائمة على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد، وأيضا على التفرقة بين الشرائع الكلية التى لا تتغير بتغير الأزمنة والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التى تتقيد بها زمانا ومكانا، وعلى المعرفة بالواقع والخبرة فيه وفهم دقائقه، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية، وقامت أيضا على دراسة السياسة الشرعية للخلفاء الراشدين والفقه فيها، وعلى معرفة أن الاجتهاد فى باب السياسة الشرعية ليس بمجرد ما يتصور أنه مصلحة وإنما يلزم التقيد فى ذلك بالمصالح المعتبرة شرعا.. وآخر قولنا هو وصيتنا لكم بتقوى الله وترك التفرق والتشرذم.. «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» صدق الله العظيم.
وانتهت الوثيقة